بعد أشهر من التهديد واللهجة المرتفعة بين طهران وواشنطن، وعملاً بمبدأ اليد الممدودة، كسر الرئيس الأميركي دونالد ترامب حدة التهديدات ضد ايران. ومن دون سابق إنذار، خرج ترامب بتصريح فاجأ العالم "مستعد لمقابلة الإيرانيين في أي مكان وفي أي وقت يناسبهم ومن دون أي شروط".
ورغم الاشتباك الكلامي الأعنف بين إيران وأميركا منذ أسر عدد من الشبان الإيرانيين لموظفي السفارة الأميركية في طهران (1)، إلا أن تصريح ترامب هذا أعاد خلط الأوراق داخل البيت الإيراني. فهل يعيد الرئيس الأميركي تجربته مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون؟ وكيف تلقّف المسؤولون الإيرانيون هذا الخطاب؟
حذرٌ إيراني!
لم يعتبر الإيرانيون تصريح ترامب هذا بأنه قشّة ليتمسكون بها خوفاً من الغرق في مستنقع العقوبات الأميركية الخانقة (بعد انهيار اقتصادي كبير في ايران منذ خروج أميركا من الاتفاق النووي المبرم في 14 تموز من العام 2015). الرد الأبرز والمباشر جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي رأى أن "إيران وأميركا تحاورتا لمدة سنتين حتى وصلا مع مجموعة الـ 5+1 (مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس أمن الأمم المتحدة، وهي الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين بالإضافة إلى ألمانيا) إلى الاتفاق النووي الأخير. وهذا دليل على أن الحوار له نتائج ايجابية. أما العقوبات وهذه التصرفات لا تنفع معنا. على القياديين الأميركيين محاسبة أنفسهم بعد الخروج من الاتفاق".
بدوره، اعتبر مستشار الرئيس الإيراني حميد ابو طالبي أنه "على أميركا الغاء العقوبات على ايران والعودة إلى الاتفاق النووي، قبل أن يتم البحث في أي مفاوضات أخرى أو حوارات".
ردود الفعل الإيرانية هذه تصب في مكان واحد: لا حوار ولا زيارات دبلوماسية بين البلدين قبل رفع العقوبات الأخيرة بالإضافة إلى عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي المبرم.
لكن السؤال، هل التودد الأميركي هذا جاء وليد اللحظة؟ إن التقارير الأخيرة أثبتت أن ترامب طالب ثماني مرات لقاء الرئيس الايراني حسن روحاني على هامش اجتماع الأمم المتحدة الأخير، إلا أن الأخير رفض ذلك. كما أن الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بسلطنة عمان يوسف بن علوي بن عبد الله، سيزور طهران يوم الجمعة المقبل، بعد أن كان الأسبوع الفائت قد التقى وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في واشنطن، ما يرجّح فرضية دخول سلطنة عمان في المفاوضات بين إيران وأميركا.
الشارع الإيراني ..
ما لا شكّ فيه، أن الوضع الإقتصادي في إيران يتحوّل من السيّئ إلى الأسوأ. فالعملة تدهورت إلى أدنى مستوياتها مقابل الدولار (الدولار الواحد بات يساوي 110000 ريال إيراني). الخطوة الأولى جاءت عبر ترسيخ القاعدة التي أرساها المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي، عبر وضع الإقتصاد الإيراني ضمن خانة "الإقتصاد المقاوم". ومن ثم جاءت السياسات الإقتصادية عبر الحد من الاستيراد والاعتماد على الانتاج المحلي.
رغم تظاهرات تجار طهران في حزيران الماضي، إلا أن حكومة روحاني تمكنت من استعادة السيطرة على السوق الاقتصادي عبر مكافحة الاحتكار ومحاولة ابقاء أسعار السلع على ما هي عليه. سياسياً، بدأت الحكومة تبحث عن خطوات فعلية لخفض الأصوات المعارضة لبعض السياسات الداخلية في الدولة. أبرز هذه الخطوات جاءت بعد وعود روحاني بالإفراج عن زعماء المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي في عيد الأضحى المقبل(وكانا قد وضعا في الإقامة الجبرية منذ أحداث الثورية الخضراء عام 2009) (2).
وبالتالي فإن الحكومة الإيرانية تقوم بكل الخطوات الممكنة لخفض الغضب الشعبي، على الصعيدين الإقتصادي والسياسي، وذلك بهدف وحدة الإيرانيين في مواجهة التحديات الأميركية.
هل تتكرر التجربة الكورية؟
في 12 حزيران الماضي، شهد العالم لقاءً تاريخياً بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي قدّم نفسه على أنه الرئيس الأميركي الوحيد الذي أنهى التوتر في شبه الجزيرة الكورية. هذا اللقاء مهّد لاتفاق على انهاء برنامج كوريا النووي، وخفض التوتر بين الكوريتين. بعد نجاح هذا اللقاء، هل يحاول ترامب اسقاط هذه التجربة على طهران؟
الملف النووي الإيراني لا يختلف عن الملف الكوري. لكن الإختلاف يكمن في الفرق بين كوريا الشمالية وإيران. فإيران تقع في بقعة جغرافية حساسة بالنسبة لأميركا، ما يجعل من الصعب القبول بهكذا قوة كبيرة عسكرياً وسياسياً بالقرب من مصالحها. من جهة أخرى، فإن إيران، بدعمها لـ"حركات المقاومة" في المنطقة وعلى رأسها حزب الله، تشكّل خطراً كبيراً على الحليف التاريخي لها أي اسرائيل، وبدعم طهران لحركة أنصار الله في اليمن، تضع الحليف الآخر لواشنطن، أي السعودية، في خطر أيضاً. كما أن الدور الذي لعبه الحرس الثوري الايراني في سوريا أدى لولادة رغبة أميركية بإجهاض نمو إيران العسكري والسياسي في المنطقة، عبر الضغط عليها سياسياً واقتصادياً وربما عسكرياً، للحد من هذا النمو. وبالتالي، فإن حوار ترامب مع القادة الإيرانيين، لن يكون بالطبع دون شروط تحمي مصالحها في المنطقة، إلا في حال سلّمت واشنطن للأمر الواقع.
إن هذا الاختلاف في الجغرافيا والدور السياسي، يجعل من الصعب التنبؤ بمصير الدراما بين إيران واميركا، ويجعل من الصعب أن يصل البلدين إلى اتفاق مشابه لذلك الذي حصل في سنغافورة. إلا أن الأكيد أن هذه المناوشات ستكون بداية لوضع استراتيجية علاقات جديدة بين البلدين.
(1) - أزمة رهائن إيران هي أزمة دبلوماسية حدثت بين إيران والولايات المتحدة عندما اقتحمت مجموعة من الطلاب الإسلاميين في إيران السفارة الأمريكية بها دعما للثورة الإيرانية وأحتجزوا 52 أميركياً من سكان السفارة كرهائن لمدة 444 يوم.
(2) - هي احتجاجات اندلعت في ايران بعدما اُتهمت الحكومة بتزوير نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية والتي أدت إلى فوز احمدي نجاد، ووضع على اثرها زعماء المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي في الاقامة الجبرية.